معالجة الأرق تجعل الوحش الأخضر تحت السيطرة

معالجة الأرق تجعل الوحش الأخضر تحت السيطرة

 


الوحش الذي يسكننا... و لا نراه 


في مشهد 

لا يُنسى من فيلم The Incredible Hulk،يتحوّل "بروس بانر" إلى وحش عملاق “هالك” 

كلما ارتفع مستوى غضبه أو توتره.. 


وجدت نفسي أفكر هل هذا مشهد سينمائي بحت؟ 

هل نحن بالفعل بعيدون عن هذا التحوّل؟




 

ربما لا يتغير لوننا إلى الأخضر، ولا يتضاعف حجمنا فجأة، 

لكننا نمرّ بلحظات نشعر فيها أننا لا نعرف أنفسنا.. 

ننفعل فجأة.. نغضب من شيء بسيط ..وربما نجد أنفسنا نرد بقسوة على من نحبهم.. 

 

وبعد أن تهدأ العاصفة... وتراجع ما حدث 

تجد نفسك متسائلا : ما الذي حدث؟  

لماذا تضخمت كلمة عابرة لتصبح مواجهة كاملة داخل عقلي؟ 

هل انفعلت لأنني شخصية درامية ؟ أم لأنني اعتبر نفسي شخصًا حساسًا !؟ 



الانفعالات والمشاعر ليست كلها بسبب السمات الشخصية ! 

في كثير من الأحيان، تكون مشاعرنا نتيجة خلل في توازننا الداخلي وليست عرضا لصفاتنا الشخصية !.

وفي مقدمة هذا الخلل: الأرق

بحسب بحث نُشر في NIH عام ٢٠١٧، فإن النوم هو ما يساعد الدماغ على "تنظيم المشاعر" ومواجهة ضغوطات الحياة اليومية. 

وعندما نكون في حالة من الأرق، فإن مناطق مثل "اللوزة الدماغية" تصبح أكثر تفاعلاً نع المواقف السلبية، وتبدأ المبالغة في ردود الفعل

بعبارة أخرى، ليست كل الإنفعالات مصدرها نفسي فقط… بل فيسيولوجي أيضًا 


كما وُجد أن الحرمان من النوم يجعل الشخص يفسّر تعابير وجه الآخرين بشكل سلبي،وبالتالي قد ينعزل اجتماعيا بسبب ذلك، مما يعني أننا نُعيد تأويل الواقع من خلال عدسة مُرهقة


وهنا تكمن الخطورة: 

أن يتحوّل التعب المزمن إلى تشويه للحقيقة، وإلى قرارات نندم عليها لاحقًا. 

 

فقد تحفز قلة النوم في ليلة واحدة فقط.. تفاعل المشاعر مع الأحداث أو الأشياء السلبية بنسبة ٦٠٪ 


نعم، هذه ليست مبالغة. 


هذا الرقم وحده كفيل بأن يجعلنا نعيد ترتيب أولوياتنا.. 


 

كيف يعيد الأرق برمجة الدماغ والمشاعر؟ 

علميًا، الأرق المزمن لا يبقى حبيسًا بين جدران غرفة النوم بل يمتد أثره إلى كل جانب من جوانب حياتنا 

ويتسبب بتغييرات ملموسة في البنية العصبية للدماغ، خاصة في المناطق المسؤولة عن التحكم بالعواطف واتخاذ القرارات، مثل القشرة الجبهية واللوزة الدماغية. 

حين لا يحصل الدماغ على نوم كافٍ وعميق، تتعطل الشبكات العصبية التي تساعدنا على تهدئة ردود أفعالنا، 

وتُفتح بوابات الانفعال والاندفاع على مصراعيها. 

 

كيف يمكن التغلب على الأرق؟ 


التغلب على الأرق لا يبدأ بمحاولة إجبار أنفسنا على النوم، بل بإعادة بناء علاقتنا مع النوم من جذورها. 

أول خطوة حقيقية هي إنشاء روتين ثابت للنوم: الذهاب إلى السرير والاستيقاظ في نفس الوقت يوميًا، حتى في عطلات نهاية الأسبوع. 

بعدها، يأتي دور تهيئة بيئة النوم: غرفة مظلمة وباردة وهادئة، خالية من الشاشات والمشتتات الإلكترونية. 

كما أن ممارسة طقوس الاسترخاء مثل القراءة، أو التأمل، أو تمارين التنفس العميق قبل النوم تساعد الدماغ على الانتقال التدريجي من حالة اليقظة إلى حالة الاستعداد للنوم. 

من المهم أيضًا الابتعاد عن الكافيين والوجبات الثقيلة قبل موعد النوم بساعات. 

وفي بعض الحالات، قد تساعد تقنيات مثل العلاج السلوكي المعرفي للأرق (CBT-I)، الذي يُعتبر العلاج الأول الموصى به علميًا لكسر الحلقة المفرغة بين القلق من قلة النوم وصعوبة النوم نفسها. 

 


متى يجب استشارة متخصص في النوم؟ 


ليس كل أرق عابر يحتاج إلى تدخل طبي، لكن هناك علامات واضحة تدل على ضرورة استشارة متخصص. 

إذا استمر الأرق لأكثر من ثلاثة أسابيع متتالية، وأثّر بشكل ملموس على نشاطك اليومي، تركيزك، مزاجك، أو علاقاتك الاجتماعية، 

فهذا يعني أن المشكلة خرجت عن السيطرة الطبيعية. 

كذلك، إذا لاحظت أن الأرق يرتبط بأعراض أخرى مثل القلق الشديد، الاكتئاب، أو الشخير المفرط وتوقف التنفس أثناء النوم، فهذه مؤشرات حاسمة لطلب المساعدة. 

المختصون في النوم يمكنهم تشخيص الأسباب الخفية للأرق، سواء كانت نفسية أو جسدية، وتقديم خطة علاجية مصممة خصيصًا لحالتك، 

مما يختصر عليك شهورًا من المعاناة ويعيد لك حقك الطبيعي في الراحة. 

 

 

وهذا ينقلنا للسؤال الذي يستحق التأمل: 

 

هل الوحش الذي في داخلك… يحتاج ترويضًا؟ 

أم فقط… راحة حقيقية؟