حين تتسرب الذاكرة لأننا لا ننام

11 مايو 2025
بسمه ابوالعز
حين تتسرب الذاكرة لأننا لا ننام

 حين تتسرب الذاكرة لأننا لا ننام 


هل تمنيت يوما أن تبقى مستيقظا لأكثر من ٢٤ ساعة مثلي، لأن اليوم المعتاد لا يكفي 


أن تقوم فيه بكل ما خططت له على قائمة أعمالك اليومية؟  


كنت دائما ما أفكر في أنني احتاج أن تطول أيامي لأتمكن من تحقيق إنجازات أكثر حتى أعدت قراءة رواية  

  "مئة عام من العزلة"  

ففي الرواية يحدث أمر غريب، لكنه مألوف جدًا بطريقة مزعجة. 

في قرية "ماكوندو"، يستيقظ الناس ذات يوم ليجدوا أنفسهم غير قادرين على النوم

لا أحد يعرف كيف بدأ الأمر، ولا متى سينتهي. 

وفي البداية، لم يشعر أحد بالخوف أو بالهلع من الفكرة. 

بل على العكس… 

بدأ سكان القرية يستمتعون بالوقت الإضافي، 

يعملون أكثر، يتحدثون أطول، يسهرون بلا نهاية. 

لكن ببطء شديد… 

بدأ كل شيء يتغيّر. 

أول شيء لاحظوه هو: تلاشي الذاكرة ! 


ينسون أسماء الأشياء. 

ثم ينسون استخداماتها. 

ثم ينسون الغاية من وجودها. 

فيحاولون أن ينقذوا ما يمكن إنقاذه، فيبدؤون بكتابة أسماء كل شيء على ورق

"هذا كرسي"، 

"هذه بقرة"، 

"هذا باب"، 

"وهذا طعام… يجب أن يؤكل". 

ثم يكتبون لافتة تقول: 

"تذكّر: الهدف من الحياة… أن تتذكّر" 

.........

وجدت نفسي أتساءل: 

هل كان ماركيز يكتب عن قرية خيالية؟ 

أم عنّا نحن… في هذا العصر الذي لا يعرف كيف ينام؟  


هل يمكن  أن ننسى من نحن ؟ 

بحسب دراسة منشورة في NIH بعنوان وباء الأرق في قرية موكاندو الخيالية " The Insomnia Plague in Fictional Macondo


 فإن "ماركيز" استخدم وباء الأرق كرمز لفقدان الهوية والذاكرة الجماعية


المفاجأة أن هذه الفكرة ليست أدبية فقط لكنها قريبة جدا من الأبحاث العلمية الطبية  في مجال النوم ومشاكل الذاكرة  والتي ذكرت أعراضا مشابهة جدا! 

 النوم ليس مجرد راحة… 


علميًا، النوم هو المرحلة التي يقوم فيها الدماغ بـ: 


  • تثبيت الذكريات 
  • تنظيم ومعالجة المشاعر 
  • تصنيف التجارب 


في غياب النوم، كما تذْكُر الدراسة، 

يفقد الدماغ قدرته على تحديد المعاني، وتضعف الروابط بين اللغة والذاكرة، 

ويحدث تشوه في الإدراك والوعي الذاتي

تمامًا كما حدث في "ماكوندو". 

 

هل نعيش مثل قرية ماكوندو اليوم… دون أن نلاحظ؟ 


نحن لا نكتب على الأبواب لنتذكّر أنها أبواب، لكننا نكتب "To-Do List" لنذكّر أنفسنا لماذا بدأنا يومنا أصلًا، وهناك موقف يتكرر معي وأتوقع أنه يحدث مع الكثير، أن تدخل غرفة ثم تنسى ماذا كنت تريد من وجودك فيها .. أو تنسى موعدًا هامًا أو شيئا كنت تود أن تخبر به صديقك وهكذا ! 


وفي عالم سريع الإيقاع، يصعب أن نلاحظ متى يتجاوز الأرق حدَّه الطبيعي. 


لكن هناك علامات خفية: 


  • حين تصبح كل الأيام متشابهة 
  • حين لا تتذكّر آخر مرة ضحكت بعمق 
  • حين تنسى ملامحك القديمة في المرآة 
  • أو حين تشعر أن كل شيء "ثقيـل"… حتى نفسك 


هذه ليست مجرد أعراض تعب.. بل رسائل مبطنة من جسدك تحاول جاهدة أن تلفت نظرك نحو حقيقة ما يحدث ! 


 وفي النهاية... ماذا لو كان النوم هو أصدق أشكال العناية الذاتية؟ 


لسنا بحاجة دائمًا لمزيد من الإنجاز والتحفيز أو حتى لمزيد من المعرفة،

أحيانًا.. كل ما نحتاجه هو أن نغلق أعيننا بصدق، لا للهروب، بل للعودة إلى أنفسنا.. 

 


لأن الاستسلام للنوم ليس هروبًا من الواقع، 

بل الطريقة الوحيدة للعودة.